أسباب توجه المستثمرين الجريئين للمناطق الحرة

تشهد المملكة العربية السعودية نقلة تشريعية عظيمة على جميع الأصعدة، ومن أهمها ما يرتبط بالأعمال التجارية، وخصوصًا ما يتعلق بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة والاستثمار الجريء، وذلك بدعم جلي من القيادة الرشيدة -وفقها الله-، وكانت آخر تلك التطورات إطلاق أربع مدن اقتصادية خاصة (SEZs)، وإصدار نظام المعاملات المدنية وغيرها من التطورات المتتالية.

وأرى أنه من الواجب علينا كمختصين مواكبة الجهود المبذولة من القطاعات الحكومية التي تدعم قطاع الأعمال، وأن نوضح الأمور العملية التفصيلية التي نعلم عنها بحكم ممارسة أعمالنا، والتي تصب في مستهدفات رؤية المملكة 2030 بتحسين البيئة الاقتصادية و”انفتاح المملكة على الاستثمارات والأعمال” التي تصبو إلى “تحولنا كي نصبح من أكبر عشر اقتصادات العالم”.

وجدتها فرصة بأن أوضح في ورقة العمل هذه عن بعض أسباب توجه المستثمرين لإنشاء شركات خارجية، والتي تدور حول (الأسباب الضريبة والأسباب التشريعية والقضائية) وذلك نتيجة كثرة التساؤل من المختصين وغيرهم عن أسباب توجه أو رغبة العديد من المستثمرين -خاصة الصناديق الاستثمارية- بإنشاء شركة خارج المملكة يتم فيها توزيع ملكية جميع الشركاء/المساهمين الحاليين والمستقبليين فيها، وتكون كافة الالتزامات بينهم بموجب اتفاقيات مرتبطة بالشركة الخارجية دون المساس بالشركة التي تعمل في المملكة.

وستتضمن ورقة العمل بعض التوصيات التي أرى أنها تدعم تحسين بيئة الاستثمار والتملك المباشر للمستثمرين الأجانب، ولا شك أن بعض الأسباب التي سنتطرق لها يعمل المسؤولون على إيجاد حلول لها وتذليل العقبات لتسهيل بيئة الأعمال.

أولاً: الأسباب الضريبية:

يتوارد إلى ذهن المستثمر أو المطّلع على الاستثمار الأجنبي عند التطرق لموضوعنا؛ ما يتعلق بضريبة الدخل على الإيرادات مستقطعًا منه الدخل المعفى، ولكن لتصحيح هذه النقطة فإن الضريبة التي يتردد المستثمر الأجنبي من ضخ أمواله في السعودية من أجلها هي ضريبة الأرباح الرأسمالية؛ لأن ضريبة الدخل -في أغلب الأحوال- تفرض على الشركة سواءً دخل المستثمر الأجنبي في الشركة السعودية مباشرة أو إن تم إنشاء شركة خارجية وتم الدخول من خلالها؛ فالعبرة بالشريك الأجنبي، والشركة الخارجية التي ستتملك في الشركة السعودية تعد شريكًا أجنبيًا ويتطلب إصدار ترخيص استثمار أجنبي لها وستخضع لنظام ضريبة الدخل مع بعض الاستثناءات على الشركات الخليجية ونحوها.

يكمن التحدي في ضريبة الأرباح الرأسمالية التي تفرض على الشريك الأجنبي عند التنازل عن الحصص/الأسهم غير المدرجة في السوق المالية (التخارج)، وهي بكل بساطة ضريبة تفرض على الفرق بين رأس المال (الاستثمار) التي تم ضخه من المستثمر الأجنبي، وقيمة تخارج ذلك المستثمر.

مثال توضيحي:

مستثمر أجنبي ضخ مليون ريال في رأس مال شركة في السعودية، وتم الحصول على رخصة استثمار أجنبي، وبعد مضي عدة سنوات قام المستثمر نفسه بالتخارج بكامل حصصه بقيمة (5) مليون ريال؛ وعليه ستدفع الشركة السعودية نيابة عن المستثمر الأجنبي ضريبة بنسبة (20%) كضريبة أرباح رأسمالية على الفرق بين القيمة المدفوعة من المستثمر الأجنبي عند التأسيس والقيمة المتحصل عليها نتيجة التخارج على الفرق البالغ قدره (4) مليون ريال.

التوصيات:

  1. أود التنويه بأن أغلب الدول لديها أنظمتها الضريبية الخاصة؛ فلذلك أوصي بمن يتجه من رواد أعمال ومستثمرين (سعوديين أو غير سعوديين) لإنشاء شركة في أي منطقة في العالم بأن يتحقق من التفاصيل الضريبية أولاً، ولا يعفى من يجهل القانون.
  2. أوصي الجهات المختصة برفع مقترح تخفيض ضريبة الأرباح الرأسمالية لتكون منفصلة عن ضريبة الدخل؛ بالرغم من أن الإعلان عن المناطق الاقتصادية الخاصة ذكر بأن الشركات المرخصة في تلك المناطق ستحظى بمعدلات ضرائب تنافسية لكن لم نرَ أي قرارٍ بخصوصها حتى تاريخ هذه الورقة، والمتوقع أن يتم معالجة ذلك من خلال مزايا الشركات في المناطق الاقتصادية.

ثانيًا: الأسباب التشريعية والقضائية:

  1. الجهل بالقوانين السعودية: يفضل المستثمرون الأجانب بأن يتعاملوا مع شركائهم بقوانين اطّلعوا عليها ومارسوها في نطاق معين، ولديهم محامون ومستشارون ذوو علم وخبرة في تلك القوانين، والاختصاص القضائي في ذات النطاق، وهناك مستثمرون لا يرغبون بالمخاطرة والدخول في شراكات تحكمهم قوانين يجهلونها.
  2. عدم التنبؤ بالأحكام القضائية: إن عدم إمكانية التنبؤ بالأحكام القضائية التي توضح توجه القضاء في النزاعات المتعلقة بالاستثمار الجريء بسبب عدم وجود سوابق قضائية متماثلة، والتي تزيد نسبة التوقعات لأمد ونتيجة النزاع، علاوةً على أن السوابق القضائية غير ملزمة في السعودية، فقد تُصدر المحكمة الابتدائية حُكْمَان مختلفان في وقائع مشابهة دون التقيد بالأحكام السابقة.
  3. فصل الملكية عن التشغيل: يحرص عدد من المستثمرين بأن تبقى الشركة العاملة (Operating Entity) منفصلة عن الملاك لضمان عدم تأثر عمل الشركة أو تراخيصها بأي نزاعات بين الشركاء/المساهمين، أو عند إفلاس أحدهم، وكذلك تقليل تدخل الشركاء في إدارة الشركة العاملة، وبالرغم من أن الأسباب قد تعد قانونية وإداريةفي آن واحد؛ إلا أنها متعلقة باستمرارية تشغيل الشركة العاملة بأقل مخاطر قد تؤثر على التشغيل.

أمثلة توضيحية:

  1. عند الاتفاق بين مؤسسين ومستثمرين على تقديم المستثمرين دين قابل للتحول لأسهم عند الدخول في جولة استثمارية قادمة، وعند انتهاء الجولة قرر المؤسسون رد الدين على المستثمرين دون إدخالهم، وبشكل عام دون تفاصيل الاتفاقية، فقد تصدر أحكام مختلفة بالرغم من تقارب الوقائع نظراً لاختلاف الدائرة القضائية.
  2. إذا وقع خلاف بين الشركاء في شركة لديها تراخيص من جهات معينة؛ فوجود نزاع بين الشركاء، أو إفلاس أحد الشركاء قد يؤثر على استمرارية الترخيص.

التوصيات:

  1. تكثيف المنشورات والأدلة التوضيحية، ووضع دليل قانوني موحد وشامل بلغات مختلفة، ويتضمن التحديثات على الأنظمة المرتبطة بشكل لصيق للأعمال كمرحلة أولى.
  2. الحرص على ترجمة الأنظمة واللوائح التنفيذية وأي تشريعات متعلقة ببيئة الأعمال فور صدورها، وبلغات متعددة، وأن تكون الترجمة قبل نفاذ تلك التشريعات، ولنا في دليل المستثمر الصادر من وزارة الاستثمار مثال حيّ ورائع، وأرى أن الأقرب لتبني مثل هذا المشروع وزارة الاستثمار، والمركز الوطني للتنافسية، والمركز السعودي للأعمال.  
  3. تضمين لوائح نظام الشركات بتفصيل عملي يتعلق ببعض العقود والحالات الدارجة كاتفاقيات الدين القابلة للتحول لأسهم.
  4. نشر وإصدار مبادئ قضائية من المحكمة العليا تلزم المحاكم الأدنى خصوصًا في القضايا المتشابهة، مع التنويه بأن الفجوة -حسب اطلاعي- بدأت في الآونة الأخيرة بالتناقص بعد تطوير منظومة تشريعات المتخصصة، ونشر الأحكام القضائية، وخصوصاً سوابق المحاكم التجارية، ونحتاج تكثيف مثل هذه الجهود لرفع نسبة التنبؤ بالأحكام القضائية.

خاتمة ورقة العمل:

بعد ذكر بعض أسباب توجه المستثمرين الجريئين لإنشاء شركة خارج المملكة -غالباً في المناطق الحرة- لتكون وعاء الملكية والشركة الأم للمشروع في المملكة؛ أود أن أختم هذه الورقة ببعض النتائج والمقترحات العامة وذلك وفقاً للآتي:

  1. إن توجه المستثمرين الأجانب لتأسيس شركة خارجية تتملك في السعودية -بشكل عام- ليس فيه مصلحة لرائد الأعمال السعودي، وكذلك قد لا يكون في صالح رائد الأعمال غير السعودي، بل على العكس تماماً؛ سيتكبد المؤسسون والشركاء تكاليف إضافية، وسيدخل المؤسسون والشركاء في تعقيدات قانونية وضريبية للدول الأخرى التي ستؤسس الشركة فيها حتى وإن كانت منقطة حرة.
  2. التطورات التشريعية وغيرها في المملكة العربية السعودية تخدم كافة فئات الاستثمار الجريء من رواد أعمال ومستثمرين، سواءً كانوا سعوديين أو غير سعوديين، ومتفائل بأننا سنشهد في الفترة المقبلة انخفاض في إنشاء شركة خارجية لغرض التملك في شركة سعودية.
  3. فصل الملكية عن الشركة العاملة يستحسن أن يتم اتخاذه بشكل مدروس وليس عشوائياً لعدم تعقيد إجراءات اتخاذ القرارات داخل الشركة.
  4. يفترض لأي رائد أعمال أو مستثمر أن يبني قرار هيكلة ملكية الشركة/المشروع بشكل صحيح، وألا يقوم بإتخاذ أي قرار بناءً على “ما فعله المؤسسون الآخرون في الشركات الأخرى” فقط.
  5. هناك مرونة واضحة في الأنظمة السعودية خصوصًا بعد التطورات الأخيرة، وصدور نظام الشركات الجديد، ولكن تحتاج لإبرازها والعمل بها.
  6. أتمنى أن تقوم الصناديق والجهات الداعمة للاستثمار التي تبنتها الدولة -أيدها الله-، وعلى رأسها صندوق الصناديق “جدا”، والشركة السعودية للاستثمار الجريء و ايضاً بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالضغط على أن تكون الملكية بشكل مباشر في السعودية، وليس فقط العمليات.

أرجو أني وفقت في استعراض بعض أسباب توجه المستثمرين الجريئين للمناطق الحرة، وأن تكون ورقة العمل هذه والتوصيات نافعة للقطاع بإذن الله، ولا أستغني عن تلقي أي ملاحظات أو مقترحات أو حتى تصحيح لأي نقطة واردة في هذه الورقة.


كتابة:

علي الشريف

الشريك المدير